تستعد مراكز البيانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتصبح أصولًا أكثر أهمية في القطاع العقاري، حيث تشير عمليات الاستحواذ المتسارعة إلى تعطش المستثمرين للأصول العقارية المرتبطة بالتكنولوجيا، وتستفيد هذه الاستثمارات من قوة الطلب على الخدمات التقنية، والبنية التحتية الداعمة، والتي تحفز السباق على بنائها وإدارتها أو تملكها، وأبرز مثال على ذلك، مراكز البيانات اليابانية، التي باتت هدفاً ساخناً لصناديق الاستثمار العقاري في سنغافورة، حيث يعمل مديرو الأصول في الوقت الحالي على زيادة تعرضهم للبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، وهذا الأمر ربما يكون مسؤولاً عن تحديد البوصلة القادمة لمزيد من المستثمرين العقاريين ليحذوا حذوها.

في عام 2023، بلغت قيمة سوق الذكاء الاصطناعي العالمي 196.6 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتوسع القطاع بمعدل نمو سنوي مركب 37.3 % حتى نهاية العقد، أي أنه مرشح لتحقيق أكثر من 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2030، وفي المقابل، بلغت قيمة سوق الذكاء الاصطناعي في السعودية 3.1 مليارات دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو القطاع بمعدل نمو سنوي مركب قدره 42.6 % بين عامي 2024 و2030، ويلاقي القطاع دعماً من تطوير التقنيات المتقدمة، وابتكارات عمالقة التكنولوجيا في قطاعات الصناعة، والسيارات، والرعاية الصحية، وتجارة التجزئة، والتمويل.

يتميز سوق الذكاء الاصطناعي بمستوى عالٍ من أنشطة الاندماج والاستحواذ، ويرجع ذلك إلى رغبة كبار اللاعبين في الوصول إلى التقنيات والمواهب الجديدة، وتعتبر الحالة اليابانية السنغافورية مثلاً صارخاً على الاستحواذات في المنطقة الآسيوية، ففي مارس الماضي، وقعت شركة كيبل لإدارة الأصول في سنغافورة اتفاقية مع شركة العقارات اليابانية ميتسوي فودوسان، لاستكشاف فرص تطوير مراكز البيانات والاستثمار في اليابان وجنوب شرق آسيا، والفكرة الأساسية هي رغبة المستثمرين في زيادة التعرض لمراكز البيانات، من خلال الاستحواذ على البنية التحتية التي تدعم اتجاهات التكنولوجيا الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس والحوسبة المتطورة، حيث تمثل هذه الصفقات أكبر تحول في صناعة مراكز البيانات.

وباعتبار اليابان مركزًا عالميًا رئيسًا للبيانات، حيث تقع في موقع استراتيجي بين أميركا الشمالية وأوراسيا، فإنه من المرجح أن تشهد خلال السنوات المقبلة المزيد من الاستثمارات في مراكز نقل البيانات، مدعومة باتجاهات الرقمنة المتزايدة، ولهذا، فإن تبدو شركة كيبل السنغافورية، التي تستثمر في اليابان منذ عقدين، متفائلة بشأن رهاناتها على مراكز البيانات اليابانية، بالإضافة إلى إغراء تراجع قيمة الين الياباني الذي خفف من تكاليف الصفقة، حيث يمثل سعر صرف الين حالياً، فرصة جذابة للتوسع في المزيد من هذه الأصول المتخصصة، كما أنه يحقق عوائد ممتازة.

وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن مراكز البيانات تعتبر الأصول البديلة المفضلة لصناديق الاستثمار العقارية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع ارتفاع حصة المستثمرين المهتمين بهذا القطاع من 29 % في 2023، إلى 33 % في عام 2024، وقد أبدت صناديق الاستثمار العقارية في سنغافورة هذا الاهتمام، وتحركت ثلاثة منها على الأقل لزيادة حصصها في مراكز البيانات خلال عام 2023، ومن المتوقع أن تكون هناك تحركات مماثلة من مستثمرين عقاريين آخرين في آسيا، ومن المرجح، أن تشكل جزءًا متناميًا من مشهد صناديق الاستثمار العقارية الآسيوية.

خلال عام 2022، كانت مراكز البيانات تمثل 1.4 % فقط من عالم صناديق الاستثمار العقارية في آسيا، مع وجود صندوقين مخصصين من صناديق الاستثمار العقارية في سنغافورة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى بيئة سوق الأسهم السيئة، ومع تحقيق صناديق الاستثمار العقاري في سنغافورة رقماً قياسياً في آسيا باعتبارها صناديق إقراض، فإنها باتت تتعرض بشكل أكبر لمراكز البيانات، فأصبحت من بين أسرع صناديق المنطقة الآسيوية في اقتناص الأصول العقارية المتعلقة بالتكنولوجيا مع استمرار ازدهار الذكاء الاصطناعي.

ويشمل هذا الاتجاه شركة Mapletree Industrial Trust، وهي صندوق استثمار عقاري مدرج في بورصة سنغافورة، استحوذ العام الماضي على مركز بيانات في وسط مدينة أوساكا، وتقدر قيمة العقار الذي تبلغ مساحته نحو 136.9 قدم مربع، بأكثر من 500 مليون دولار سنغافوري (370.1 مليون دولار)، وفقاً لوثائق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتمثل عملية الاستحواذ هذه دخولًا استراتيجيًا من سنغافورة إلى اليابان، ثالث أكبر سوق لمراكز البيانات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهذا يعني أيضاً أن الذكاء الاصطناعي بات محركاً أساسياً للطلب المتزايد على مراكز البيانات في اليابان.

يقدم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، للمستثمرين بديلاً لاتجاهات الرقمنة، والاستعانة بمصادر خارجية للبيانات سريعة النمو، وهو يتوقع استمرار الاتجاه الناشئ، حيث تستهدف الشركات تحويل مزيج محفظتها نحو المزيد من مراكز البيانات، مقارنة بالأصول الصناعية في الاقتصاد القديم، ومع عملية الاستحواذ، وتمثل اليابان 5.5 % من الأصول الخاضعة لإدارة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بينما تشكل مراكز البيانات في سنغافورة 46 %، وفي أميركا الشمالية تشكل 47.6 %، ووفقاً لوكالة التصنيف الائتماني فيتش، فإن معهد ماساتشوستس يعتزم زيادة حصته الائتمانية إلى 56.3 % من الأصول الخاضعة لإدارته، ارتفاعاً من 53.7 %، ومن المرجح أن تحافظ المراكز التابعة للمعهد الأميركي على إشغال مستقر، مدعومة بعقود الإيجار الطويلة، والطلب الثابت على المدى المتوسط.

اليابان أيضاً كانت هدفًا لصندوق الاستثمار العقاري الرقمي السنغافوري، الذي استحوذ في نوفمبر 2023 على مشروع مركز بيانات مملوك لشركة ميتسوبيشي اليابانية، مقابل 510 ملايين دولار، ومع ذلك، فإن الأمور ليست وردية تماماً، لأن إدارة مراكز البيانات لها مخاطرها بالنسبة للمستثمرين العقاريين، فقد يتأخر أحد المستأجرين عن سداد الإيجار، وعلى سبيل المثال، في ديسمبر 2023، أصدر صندوق سنغافوري بياناً يوضح تخلف مستأجرين عن سداد إيجار مراكز البيانات التابعة له في الصين لمدة أربعة أشهر، بما يعادل 8.5 ملايين دولار سنغافوري، بالإضافة إلى رسوم التأخير والضرائب العقارية التي تبلغ 600 ألف دولار سنغافوري.

يؤثر تخلف المستأجرين عن دفع الإيجار على توزيع الأرباح، إلا أن العقود طويلة الأجل من قبل الشركات ذات السمعة الطيبة يتم النظر إليها بشكل إيجابي، وقد استحوذ صندوق استثمار عقاري آخر في سنغافورة، على مراكز بيانات العام الماضي بقيمة 199.9 مليون دولار سنغافوري، وهو ما يمثل نحو 1.5 % من أصوله الخاضعة للإدارة، ومع مرور أربعة أشهر من عام 2024 فإنه من الملاحظ وجود تسارع في عمليات البحث عن مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي في أسواق جديدة في جميع أنحاء المنطقة الآسيوية، وعلى الرغم من أن هذا لا يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة قيمة أي مركز بيانات، إلا أنه يساهم في النطاق العام لفئة الأصول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما يساعد على تعزيز القبول المؤسسي.

في عام 2023، ساهمت مركز البيانات لصناديق الاستثمار العقاري في سنغافورة، عند مقارنته بصناديق الاستثمار العقارية التجارية الأخرى المدرجة في سنغافورة، في دعم الأداء العام للنشاط، ولهذا جاء أداء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أفضل بكثير من 2022، حيث استفاد بشكل كبير من رغبة المستثمرين في استثمار الأموال في الأصول المرتبطة بطفرة الذكاء الاصطناعي، بينما كان نظيره Keppel DC REIT، متقلبًا في الأداء بسبب التخلف عن سداد الإيجار.

في المجمل، تدعم الصناديق انخفاض أسعار الفائدة الأميركية، لأن تراجع الفائدة يخفض تكلفة تمويل العقارات لمديري الأصول، ويخفف الضغط عن المستأجرين الذين يستخدمون الاستدانة، ومع تغير بيئة التمويل، من المقرر أن تبدأ المزيد من الشركات في الاستثمار بمراكز البيانات في جنوب شرق آسيا، وعلى سبيل المثال، يعتزم مركز بايتيرا للبيانات في جاكرتا، بدء عمليات دعم الاقتصاد الرقمي في إندونيسيا والنمو المستدام من خلال تمكين رقمنة الشركات والمؤسسات المالية المحلية، والاتجاه نفسه ينطبق على تايلاند، حيث تقوم شركة BMI بتعزيز قدرات البنية التحتية الرقمية، ورفع مستوى تايلاند كمركز رئيس للبيانات في جنوب شرق آسيا، والاستفادة من ارتفاع الطلب على تخزين البيانات ومعالجتها، وزيادة الرقمنة.