توفر دخلاً للأسر.. وتُمثّل عاملاً مشجّعاً للسياحة

تُعد الحرف اليدوية من أهم مصدر الدخل التي كانت تعتمد عليها المجتمعات وترتزق منها كمصدر للكسب، وكانت تزاول كمهنة رئيسة مستمرة تهدف إلى تحويل الخامات إلى منتج من خلال استخدام الموارد البيئية المحلية بصفة أساسية حسب توفرها.

وفي المملكة تعكس الحِرف اليدوية السعودية إبداعات المجتمع من نسيجٍ، ومشغولاتٍ يدويةٍ، وإبداعاتٍ فنيةٍ، توارثوها جيلاً بعد جيل، ومن بينها صناعة الفخار من الطين، والأزياء، والأواني الفخارية، والخرازة، والنحاسة، والخياطة، والصباغة، والحدادة، وصياغة الذهب والمجوهرات، وغيرها مما أبدعه الإنسان السعودي.

ونظراً لأهمية الحرف اليدوية أقرّ مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- تسمية 2025 "عام الحرف اليدوية"، للاحتفاء بقيمتها الفريدة في الثقافة السعودية منذ سنواتٍ طويلةٍ، وإبراز ما يميّزها من صناعةٍ إبداعية، ومشغولاتٍ يدوية نوعيةً، وإبداعات الحِرفيين السعوديين لدى المجتمع الدولي.

وتعمل وزارة الثقافة على ترسيخ الاعتزاز بالهوية الوطنية، وكل ما يرتبط بها من عناصر ثقافيةٍ ماديةٍ وغير مادية، تحقيقاً لمستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة المتماشية مع الأهداف الطموحة لرؤية السعودية 2030.

مكوّن رئيس

وتمثل مبادرة «عام الحِرف اليدوية» مظلةً جامعةً لكل مظاهر الاحتفاء بهذا المُكوّن الرئيس كقيمةً ثقافيةً وفنيةً بالغة الأهمية، وركيزةً من ركائز هويتنا الأصيلة، وتعد الحرف والصناعات اليدوية جزءًا لا يتجزأ من هوية المملكة وثقافتها وحضارتها إضافةً إلى أنها مورد اقتصادي يوفر دخلاً للعديد من الأسر التي تمتهن الحِرف، وأحد عوامل تشجيع السياحة، وتواجه الحرف اليدوية مخاطر عدة تتعلق بالاستدامة والاستمرار في ظل التحديات التكنولوجية، وأيضًا تلك الخاصة بتعليم المهارات ونقل الخبرات للأجيال الشابة، ويُعنى التحدي بالطرق والوسائل المبتكرة لتطوير صناعات الحرف التراثية بالمملكة.

خامات محلية

وتعتمد الاستراتيجية الوطنية لتنمية الحرف والصناعات التقليدية التي تم إقرارها على مجموعة من المبادئ الأساسية أهمها ضرورة الاستفادة من الخامات المحلية المتوافرة بصورة عامة في مختلف مناطق المملكة؛ لتأسيس مشروعات اقتصادية اجتماعية تسهم في تنويع مصادر الدخل المحلي، وتوفر فرص عمل لمختلف فئات المجتمع من الرجال والنساء والنشء في مختلف المناطق الحضرية والريفية والبادية، كما تشمل الاستراتيجية نحو 45 مجموعة من الحرف والصناعات التقليدية تتفرع منها قائمة طويلة من المنتجات اليدوية، حيث تضم: صناعة السبح والأحجار الكريمة، المنتجات الفخارية، الخوصيات، الجلديات، الفضيات، الأسلحة التقليدية، المنتجات الحديدية لأغراض الزراعة، النحاسيات، الفضيات، غزل النسيج اليدوي، صناعة العبايات، القطنيات بأنواعها، الأزياء الشعبية، إلى جانب صناعة الشباك والأقفاص والمزهريات والدلال والأحذية التقليدية، والقطران والحلويات الشعبية، والكراسي الشعبية، والصناعات المرتبطة بمواد البناء التقليدية، والبرنامج الوطني لتنمية الحرف والصناعات اليدوية الذي تم إقراره ضمن الاستراتيجية يعد نموذجاً مميزاً لمعالجة الفقر، ومحققاً للتنمية الإقليمية المتوازنة، بالإضافة إلى الإسهام في إخراج المجتمع من دائرة الاستهلاك إلى الإنتاج من خلال التنسيق مع الجهات ذات الاختصاص لإيجاد برنامج لإقراض العاملين في الحرف اليدوية بضوابط مناسبة يتم تطويرها.

كنز حضاري

وتزخر المملكة التي تشكل مساحتها الجزء الأكبر من خريطة الجزيرة العربية بكثير من المواقع التاريخية والتراثية، وآلاف القطع الأثرية الفريدة التي تُعد في مجملها كنزاً حضارياً يعكس الدور الذي قام به إنسان الجزيرة العربية؛ في بناء الحضارات القديمة التي تعاقبت على أرض المملكة، وأصبحت الآن جزءاً مهماً من التراث الإنساني المدون في قائمة التراث العالمي، وشهد العام 2020م؛ تحولاً كبيراً في اهتمام المملكة بتراثها الوطني، مع نقل مهام القطاع إلى وزارة الثقافة التي أنشأت بدورها هيئة التراث لتكون الجهة الرسمية المسؤولة عن تطوير تراث المملكة بجميع قطاعاته -قطاع الآثار، قطاع التراث العمراني، قطاع الحرف اليدوية، قطاع التراث غير المادي-، وحددت الهيئة في استراتيجيتها؛ الأسس التي تعمل من خلالها على تطوير التراث الوطني للمملكة، كما حددت رسالتها في حماية وإدارة وتمكين الابتكار والتطوير المستدام لمكونات التراث الثقافي، لتحقيق رؤيتها التي تحتفي بالتراث الوطني للمملكة كثروة ثقافية وطنية عالمية، وتتمثل المهام الاستراتيجية لهيئة التراث في الحماية، وإعادة التأهيل، بما في ذلك ترميم وإعادة تأهيل مباني التراث العمراني، المسوحات، والتنقيب، والدراسات الأثرية، الاستثمار، وتشغيل مواقع التراث الوطني، تطوير قطاع الحرف والصناعات اليدوية، تسجيل وإدارة مواقع تراثية في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

ركائز أساسية

وتتبنى استراتيجية الهيئة ثماني ركائز أساسية؛ تعمل من خلالها على وضع البنية الأساسية لعملية التطوير بمختلف محاورها ومراحلها، وهذه الركائز الثماني هي العمل من خلال الشراكات الواسعة النطاق على المستوى المحلي، وحماية محفظة الثروة الثقافية، والمواقع الأثرية، وإدارتها بفاعلية، وكذلك تعزيز الأبحاث، وتنمية المواهب المتخصصة في التراث، واستخدام أحدث التقنيات الرقمية في سلسلة القيمة التراثية، إضافةً إلى وضع الأنظمة، واللوائح المناسبة، وإصدار الرخص، والعمل على نطاق واسع مع القطاع الخاص -مشاريع الأعمال التجارية-، وتوفير التمويل المقدم من الحكومة السعودية، ودعم الوكالات الدولية، إلى جانب خلق وعي لدى الجمهور، ونشر التراث.

رؤية متكاملة

ووضعت هيئة التراث رؤية متكاملة العناصر لأهدافها، ومهام عملها، وطبيعة أدوارها، ومجالات اختصاصاتها، وحرصت على تضمين ذلك في استراتيجيتها لتطوير تراث المملكة، حيث حددت الاستراتيجية اختصاصات عدة لهيئة التراث منها اقتراح مشروعات الأنظمة والتنظيمات التي تتطلبها طبيعة عملها، وتشجيع التمويل والاستثمار في المجالات ذات العلاقة باختصاصات الهيئة، وتشجيع الأفراد والمؤسسات والشركات على إنتاج وتطوير المحتوى في قطاع التراث، وكذلك اقتراح المعايير والمقاييس الخاصة بقطاع التراث، وإقامة الدورات التدريبية في المجالات التراثية، وبناء البرامج التعليمية ذات العلاقة بقطاع التراث، إضافةً إلى دعم جهود تنمية التراث الوطني، ورفع مستوى الاهتمام والوعي به، وحمايته من الاندثار، والترخيص للأنشطة ذات العلاقة بمجال عمل الهيئة، وإنشاء قاعدة بيانات لقطاع التراث، والاستثمار، وتأسيس الشركات، أو المساهمة في تأسيسها، والعمل على حماية كافة الأصول التراثية، وصيانتها، وترميمها، وإدارتها، وتجهيزها للزوار، إلى جانب الاضطلاع بأعمال المسح والتنقيب وتنفيذها، وحماية الأصول التراثية والحفاظ عليها؛ مثل: المباني التاريخية، والمواقع الأثرية التي تقع ضمن الممتلكات الخاصة.

أسواق ومعارض

ويأتي الاهتمام بالصناعات والحرف التراثية في إطار رؤية المملكة للحفاظ على التراث وتعزيز التنمية الثقافية في شتى المجالات، لذا يستهدف التحدي تسليط الضوء على الحرف التراثية في المملكة وسبل تطوير سلسلة الإمداد الخاصة بها، والعمل على تحديث عملية التسويق، وتوفير الأسواق والمعارض المحلية والدولية، علاوة على رفع مستوى الجودة وبناء قدرات العاملين في المجال وإتاحة الفرص التمويلية لهم

ويُسهم المعهد الملكي للفنون التقليديّة «وِرث» في إبراز الهوية الوطنية وإثراء حضور الحرف اليدوية السعودية والاحتفاء، وتنسجم الجهود جملة مع إعلان تسمية عام 2025م بعام الحِرف اليدوية، احتفاءً بالقيمة الثقافية الفريدة التي تُمثّلها الحِرف اليدوية ومكانتها في تعزيز الاقتصاد الوطني وتمكين الحرفيين وزيادة فرص العمل للممارسين والمهتمين، وتأتي جهود «وِرث» في إثراء الحرف اليدوية ركيزة ضمن استراتيجياته، عبر تنمية القدرات والمواهب الوطنية الشغوفة والمبدعة في مجالات الفنون التقليديّة، وتعزيز ريادة الأعمال في تخصصاتها المختلفة من منطلق أهميتها، وإيمانًا بدورها وتأثيرها على مستوى الفرد والمجتمع.

متخصصة وأكاديمية

ويُعزّز «وِرث» ظهور الحِرف اليدوية التي يُعنى بتعليمها وتدريبها عبر برامج تعليمية متخصصة وأكاديمية، ويواصل في حفظها وصون عناصرها الثقافية من خلال البحث والتوثيق، كحرفة حياكة السدو «النسيج التقليدي» والقط العسيري، والخط العربي المسجلة في قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي «اليونسكو»، وغيرها من الفنون والحرف اليدوية الأخرى مثل: حياكة «البشت الحساوي» وصناعة الأخشاب والمعادن والفخار التقليديّة، ليستكشف المهتمين بفنون وثقافة المملكة ويشهدوا على جمالية الحِرف اليدوية محليًا ودوليًا. ويُعد «وِرث» جهة رائدة لإثراء الفنون التقليديّة السعودية محليًا وعالميًا، للترويج لها، وتقدير الكنوز الحية، والمتميزين وذوي الريادة في مجالات الفنون التقليديّة، للإسهام في الحفاظ على أصولها ودعم القدرات الوطنية، وتشجيع المهتمين على تعلمها وإتقانها وتطويرها، ليبقى مستقبل الفنون الإبداعي حيويًا ومُحتفى به.

واقع ورؤية

وفي دراسة أعدتها سلمى سالم عبدالعزيز الزيد -من كلية الفنون جامعة الملك سعود- هدفت من خلالها التعرف على واقع الحرف والصناعات النسائية في ضوء رؤية المملكة 2030، وما التحديات التي تواجه الحرف النسائية لتحويلها لمشاريع استثمارية، حيث طبقت هذه الدراسة على عينة ممثلة ملائمة معنية بموضوع الدراسة من القائمين على العمل الحرفي في المملكة، وتم اختيارهم بطريقة العينة العشوائية البسيطة من خلال التواصل مع مؤسسات ومراكز القطاع الحرفي، التي ينتمي لها العاملين، حيث قامت الباحثة بإرسال رابط استبانة، واستردت (34) استبانة مكتملة وصالحة للتحليل الإحصائي تطرقت إلى واقع الصناعات والحرف النسائية في ضوء رؤية المملكة 2030، والتحديات التي تواجه الحرف النسائية لتحويلها لمشاريع استثمارية، وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج أبرزها: إن واقع الصناعات والحرف النسائية في ضوء رؤية المملكة 2030 يعتبر واقعاً ملموساً ويحظى بالدعم من خلال البرامج والشراكات الداعمة للمشاريع الحرفية للمحافظة على الموروث الثقافي ودعم البرامج الحرفية، من خلال الحكم على نتائج هذه الدراسة كان المتوسط الكلي لإجاباتهم (2.61 من 3) بانحراف معياري قدره (0.39) ويعني الموافقة التامة. وهناك بعض التحديات التي تواجه الحرف النسائية لتحويلها لمشاريع استثمارية، حيث نجد أن أفراد العينة قد وافقوا إلى حد ما على (71,4) من التحديات التي تواجه تحول الحرف النسائية لمشاريع استثمارية، حيث نجد أن جميع متوسطات استجابات أفراد العينة على هذه التحديات يقع في المدى (1.67 إلى أقل من 2.34) ويعني الموافقة إلى حداً ما.

ورشة عمل مُشتركة بين «وِرث» ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة
أصالة وتراث
قدرة وموهبة وتركيز
مردود اقتصادي للأُسر