شهد عام 2020م تحولاً كبيراً في اهتمام المملكة بتراثها الوطني، استثماراً لمساحتها الكبيرة على خريطة الجزيرة العربية، ومن ثم اتساع رقعة المواقع التراثية والتاريخية، والحرف اليدوية التي تميز كل منطقة عن الأخرى، التي تعد كنوزاً حضارية، تعكس الدور الذي قام به الإنسان في تلك المناطق عبر الأزمان، التي شهدت بناء حضارات عريقة تعاقبت على أرض المملكة، وأصبحت جزءاً من التراث الإنساني العالمي، وضمته في أجندتها المنظمات الدولية المتخصصة في التراث والتاريخ والحضارة الإنسانية.

تاريخ الحرف اليدوية

منذ أكثر من 2,6 مليون سنة، ظهرت الحرف اليدوية الأولى التي صنعها البشر، تلبية لاحتياجاتهم المعيشية اليومية، فظهرت الحاجة للأواني التي يُعد في الطعام، والحماية من البرد والحر، وصناعة أدوات الصيد، واستغلال مقومات الطبيعة في بناء المساكن بمراحلها التي تتطور عبر الأزمان، فظهر الإبداع الإنساني.

اليونسكو وتسجيل التراث

وتستعرض هيئة التراث السعودية قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة « اليونسكو»، حيث تضم القائمة 463 عنصراً ثقافياً تراثياً، تهدف إلى التعريف والتوعية بالتراث غير المادي، وإظهار التقاليد الثقافية والمهارات التي تمتلكها المجتمعات المحلية في مختلف دول العالم.

لقد سجلت «اليونسكو» 9 مكونات من التراث المحلي السعودي ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، وهي: (نخيل التمر، مهنة الصقارة، العرضة النجدية، القهوة العربية، المجلس العربي، فن المزمار، القط العسيري، حياكة السدو، والخط العربي)، وجميع هذه العناصر ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقطاع الحرف والصناعات اليدوية، فقد تم تسجيل مهنة تربية الصقور «الصقارة» 2012م، كمهنة متغلغلة في الثقافة السعودية، ولها عوائد اقتصادية كبيرة، كما تم تسجيل «العرضة النجدية» 2015م كواحدة من أهم فنون الأداء الحركي، إضافة لأنها تجمع بين الشعر والاستعراض بالسيف مع قرع الطبول، وفي نفس العام 2015م تم تسجيل المجلس العربي ضمن القائمة التراثية، فتلك المجلس تمثل إرثاً ثقافياً، يعكس قيم التواصل الإنساني للمجتمع، حيث تتم استضافة الضيوف وإكرامهم، وتناقش فيه القضايا والمشكلات الاجتماعية، وحل النزاعات، إضافة إلى إقامة المناسبات المجتمعية المختلفة، وكذلك جلسات السمر لتعزيز التواصل بين الأهل والأقارب ومختلف فئات المجتمع، كما أن صناعة المجلس نفسه من الحرف اليدوية الأصيلة.

وشهد العام نفسه 2015م تسجيل القهوة العربية، لما لها من مكانة في المجتمع السعودي، التي تعد من أهم عناصر الضيافة المتوارثة منذ مئات السنين، كما تعد من المصادر المهنية والحرفية لمن يعملون فيها، وفي عام 2016م تم تسجيل فن المزمار في القائمة العالمية للتراث، أما فن « القط العسيري» فقد تم تسجيله عام 2017م، وهو فن يقوم على زخرفة وتزيين جدران المنازل الداخلية، وتمتاز به منقطة عسير جنوب المملكة، وتجيد النساء العمل في هذا الفن، وفي 2019م تم تسجيل نخيل التمر، التي تمثل مصدراً للعديد من الحرف اليدوية، والمهن والعادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية الثقافية المرتبطة بالنخيل، وفي عام 2020م تم تسجيل «حياكة السدو» التي تعد من أهم الفنون الحرفية التقليدية والإبداعية في المملكة، التي مارسها سكان الجزيرة العربية منذ القدم، لتلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع، ومع مرور الأزمان أصبحت من أهم أوجه التراث الإنساني والحضاري، ونتيجة لجهود وزارة الثقافة السعودية تم تسجيل الخط العربي في القائمة التراثية العالمية عام 2021م، ومن ثم تم إطلاق مبادرة عام الخط العربي، التي تضمنت فعاليات كثيرة استمرت لعامين 2020- 2021م.

      رؤية الرؤية للحرف اليدوية

لقد وضعت رؤية المملكة 2030 الحرف اليدوية ضمن أولوياتها وقائمة اهتماماتها، لارتباطها بخيارات التنمية المستدامة الآنية والمستقبلية، كالتنمية الثقافية والسياحة، حيث أصبح القطاع جزءاً من أهم الاقتصاديات في الدول السياحية، واهتمامها بالسياحة الدينية والترفيهية والثقافية وقطاع الأعمال، حيث أصبح هذا الاقتصاد يمثل ما يزيد على 20 % من إجمالي العوائد الاقتصادية التي تحققها السياحة على مستوى العالم، إذ تعد الحرف اليدوية مصدراً للاقتصادات العائلية والمجتمعية، ويعود تأثيرها الإيجابي على الاقتصادات الوطنية، ومن تلك الحرف والصناعات، المشغولات الفخارية والخزفية، والمشغولات النسيجية، وصناعة السبح، والحلي والمجوهرات، وصناعة الجلود والبشوت وقوارب الصيد والمشغولات المعدنية، وغيرها من الحرف التي يزخر بها المجتمع السعودي.

ولأن المملكة تدرك أهمية الحرف والصناعات اليدوية، أطلقت على العام القادم 2025 بـ»عام الحرف اليدوية»، لتأكيد الدور الكبير الذي تتبناه المملكة للحفاظ على تراثها الحِرفي، وسعيها المستمر إلى إحيائه وتعليمه للأجيال.

أهمية الحرف اليدوية

تلعب الحرف اليدوية دورًا مهمًا للغاية في تمثيل ثقافة وتقاليد أي دولة أو منطقة، لأن الحرف اليدوية هي وسيلة مهمة للحفاظ على الفنون التقليدية والتراث والثقافة والمهارات والمواهب التقليدية، المرتبطة بنمط حياة البشر وتاريخهم على مر العصور، لذلك تعد مصدراً اقتصادياً مهماً في حياة محترفي هذا العمل، حيث توفر فرصاً وظيفية نوعية، وفي الآونة الأخيرة ظهر الاهتمام من قبل المستثمرين بالصناعات اليدوية، لما لها من قيمة فنية وثقافية واقتصادية، خاصة في مجالات السياحة والفنون.

وأشار تقرير خبراء منظمة اليونسكو إلى أن 20 %، من النشاط الريفي في الدول النامية، يتم في قطاع الحرف والصناعات اليدوية، التي تسهم على الأقل بنسبة 3 %، من الناتج المحلي لتلك الدول، كما تعد أن صناعة الحرف والصناعات اليدوية، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن إيجاد فرص وظيفية في الاقتصاد، والتمكين من تحقيق عوائد إضافية، والمساعدة على الحد من الهجرة من القرى إلى المدن الكبرى، وتقدر منظمة التجارة العالمية WTO، حجم السوق العالمية للمنتجات الحرفية في أواخر التسعينات من القرن الماضي، بنحو 80 مليار دولار، كما أكدت دراسات أخرى أن قطاع الحرف سيشكل 20 % من نشاط السياحة مستقبلاً، أو ما يعادل نحو 120 مليار دولار، وتشير إحصائيات أخرى أن تجارة المنتجات الحرفية، تنمو بشكل مطرد في معظم دول العالم، فقد زادت مبيعات المنتجات الحرفية في أستراليا بأكثر من 100 % سنوياً منذ عام 1988، ووصلت المبيعات إلى ما يعادل نحو 150 مليون دولار.

من أهم المقومات والخصائص الاقتصادية، المرتبطة بتنمية قطاع الحرف اليدوية، تميز القطاع بانخفاض الاستثمارات المطلوبة، بسبب اعتماده على كثافة العنصر البشري، الأمر الذي يجعل من القطاع أرضاً خصبة للتوسع في التوظيف، كما أن القطاع في الغالب ما يعتمد على استخدام الخامات المتوافرة محلياً، ومن ثم تقليل التكاليف المرتبطة باستيراد الخامات من الخارج، إضافة إلى أن صناعة الحرف اليدوية، تعد قطاعاً جاذباً للسائحين.

تحديات ومعوقات

إن اهتمام المملكة بهذا القطاع، وجعل عام 2025 عام الحرف اليدوية، سيسلط الضوء على التحديات التي تواجه الحرف اليدوية، والعمل على حل المشكلات، وأهمها قضايا التدريب والتأهيل، التي عادة ما تتطلب استحداث برامج علمية وعملية متخصصة في مجالات تتعلق بالمواد المستخدمة والتصميم، والأدوات المستخدمة، ثم القدرة على الابتكار واتخاذ التدابير الكفيلة بتطوير آليات الإبداع والبحث العلمي والعملي، بما في ذلك تنظيم التكوين الحرفي، والمحافظة على نسق من استمرارية الابتكار، وتطوير الآليات المرتبطة بالتوثيق المعلوماتي لكافة أنواع المنتجات الحرفية والمقتنيات، بالشكل الذي يؤسس قاعدة معلوماتية لأنواع الحرف اليدوية، إضافة لمشكلة التمويل التي تعد من أهم المشكلات، التي تعرقل تطوير قطاع الحرف اليدوية، ولا سيما أن القطاع يعاني من ضعف توافر الاعتمادات المالية اللازمة لتمويل الصناعات التقليدية البسيطة والمتوسطة والكبيرة، الأمر الذي يحول دون التوسع في القطاع، وكذلك مشكلة التسويق والترويج للمنتجات الحرفية وإتاحتها للمجتمع والتعريف بها وبأهميتها الثقافية والفنية.

وتدرك الحكومة أهمية تنظيم وتنمية قطاع الحرف اليدوية، وتتعامل معه على أساس أنه رافد اقتصادي مهم، سيسهم في توفير فرص عمل جديدة للمواطنين والمواطنات، وزيادة الدخل، وإبراز التراث، بما في ذلك توفير منتجات قادرة على المنافسة والتسويق داخل المملكة وخارجها، ولا سيما أن الإحصائيات تشير إلى أنه قد أمكن حصر نحو 200 بند من واردات المملكة، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحرف والصناعات اليدوية، وأن متوسط قيمة واردات المملكة من تلك البنود خلال الفترة 1991 – 2004، قد بلغ نحو 1.5 مليار ريال سنوياً.

إن الاهتمام بقطاع الحرف اليدوية، يسهم في تطوير قدرات الحرفيين ومهاراتهم وتدريب الأجيال الجديدة، واستقطاب شرائح مجتمعية لهذا القطاع، وتشجيع الاستثمار في الحرف اليدوية وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي، وتطوير برامج التسويق والترويج للمنتجات الحرفية، وتوفير فرص عمل إضافية للمواطنين وزيادة العوائد المالية، والاستفادة القصوى من الخامات المحلية، بما في ذلك حمايتها وتنميتها، والعمل على تقديم الدعم إلى جميع مناطق المملكة لتطوير وسائلها وطرقها وأساليبها الخاصة بتنمية الحرف وتطويرها والمحافظة عليها، والتوعية بأهميتها في المدارس ووسائل الإعلام.

وتولي المملكة اهتماماً كبيراً للحفاظ على الحرف التقليدية، من خلال إنشاء مراكز تدريب وتشجيع الحرفيين على تسويق منتجاتهم، فضلاً عن أن هيئة التراث تعمل على تعزيز هذه الصناعات من خلال مهرجانات ومعارض تحتفي بالتراث الوطني، ويأتي الاهتمام بالصناعات والحرف التراثية في إطار رؤية المملكة للحفاظ على التراث وتعزيز التنمية الثقافية في شتى المجالات، لذا يستهدف التحدي تسليط الضوء على الحرف التراثية في المملكة وسبل تطوير سلسلة الإمداد الخاصة بها، والعمل على تحديث عملية التسويق، وتوفير الأسواق والمعارض المحلية والدولية، ورفع مستوى الجودة وبناء قدرات العاملين في المجال وإتاحة الفرص التمويلية لهم، حيث يعد القطاع جزءًا لا يتجزأ من هوية المملكة وثقافتها وحضارتها إضافة إلى أنها مورد اقتصادي يوفر دخلاً للعديد من الأسر التي تمتهن الحِرف، وأحد عوامل تشجيع السياحة، وتواجه الحرف اليدوية مخاطر عدة تتعلق بالاستدامة والاستمرار في ظل التحديات التكنولوجية، وأيضًا تلك الخاصة بتعليم المهارات ونقل الخبرات للأجيال الشابة.

برامج التمويل والتدريب

يقدم صندوق تنمية الأعمال اليدوية، قروضًا ميسرة للحرفيين لتمويل مشاريعهم، وتوفير المواد الخام، وتطوير مهاراتهم، كما يقدم برنامج «حرفي» دعمًا ماليًا للحرفيين المتميزين للمشاركة في المعارض المحلية والدولية، وتطوير منتجاتهم، وتسويقها، إضافة لذلك تقدم العديد من المراكز السعودية برامج تدريبية للحرفيين في مختلف الحرف اليدوية، مثل: النسيج، والخزف، وصناعة المجوهرات، كما تقدم بعض الجامعات والمعاهد السعودية برامج أكاديمية في مجال الحِرف اليدوية.