تُعدّ الأسرة نواة المجتمع، حيث إنّ أساس تكوينها الزوجان، وبذلك تتشكّل الشعوب والقبائل، كما أنّ بالزواج تتحقّق العديد من الأمور المهمّة منها تنظيم أمور الحياة، وتحقيق الحياء، والحصول على الاستقرار والراحة والأمن، وتحقيق الطهارة والعفة، وتربية الأجيالٍ على الخير والصلاح، والرقي بالمجتمع والأسرة، والزواج من سنن الأنبياء والمرسلين، كما أنه يساعد على الاستقرار النفسيِّ والاجتماعي، ويساعد على التقدُّم العملي والعلمي، ويقوِّي المسلم على الإقبال على الله تعالى، ويجعله منتجًا متفاعلًا مع مجتمعه، لذلك حرص جيل الأمس على الزواج وفي سن مبكرة، وكانت الزواجات تتم في جو من البساطة وقلة التكاليف في ذلك الزمن الذي عاش أكثر أهله على الكفاف قبل التطور والتقدم والرفاهية التي نراها اليوم، حيث كان هم الأسر نجاح الزواج وتوافق الزوجين دون تحميل الزوج ما لا يطيق من الشروط والتكاليف، إذ كانت الزواجات تقام في أقرب ساحة في البلدة أو بالقرب من منزل أهل الزوجة، ويجتمع الأهل والجيران والأحبة على وجبة العشاء التي تعد بمشاركة الجميع في الهواء الطلق، وفيها يتم إدخال البهجة والسرور على الجميع، خاصةً كبار السن والأطفال، أمّا حال اليوم بالنسبة إلى الزواجات فقد تغير كثيراً، وتعددت الشروط من الزوجة على زوجها لمنحها حرية العمل والعيش مع الزوج في بيت مستقل، إضافةً إلى المهور الغالية وما يتبع ذلك من أشياء سابقة كحفل خطوبة ومِلكة، وتقديم شبكة، وإقامة ليلة الزواج في قاعات فخمة وكبيرة، وقد شهدت زواجات جيل الأمس النجاحات وكانت نسبة الطلاق قليلة قياساً بعصرنا الحاضر الذي باتت ظاهرة لكثرتها، مما يستوجب مناقشة أسبابها والعمل على البحث عن الأسباب ومعالجتها، حيث يطالب البعض بخضوع المقبلين على الزواج إلى دورات تتضمن أحكام وآداب ليلة الزفاف، وحق الزوجة على زوجها وحق الزوج على زوجته، والحقوق المشتركة بين الزوجين، ومقياس مقومات الاستعداد الزوجي، وغير ذلك من الأمور التثقيفية اللازمة للحياة الزوجية.
كشف طبي
وكان الزواج فيما مضى يتم عن طريق تقدم أسرة الخاطب إلى أسرة العروس ومن ثم طلب يدها، وبعد الموافقة يتم إكمال إجراءات الزواج من مهر وتحديد ملكة وزواج، وفي عصرنا الحاضر بات من الضروري إجراء الفحص الطبي قبل الزواج للعروسين قبل إتمام مراسيم العقد، حيث يطلب مأذون الأنكحة نتيجة الفحص للزوج والزوجة المقبلين على الزواج لإكمال عقد النكاح، والفحص الطبي يُعد فحصاً يجريه المقبلون على الزواج لمعرفة وجود الإصابة ببعض أمراض الدم الوراثية، وبعض الأمراض المعدية، بغرض إعطاء المشورة الطبية حول احتمالية انتقال تلك الأمراض للطرف الآخر من الزواج أو الأبناء في المستقبل، وإعطاء الخيارات والبدائل أمام الخطيبين من أجل مساعدتهما على التخطيط لأسرة سليمة صحيًّا.
فوري وإلكتروني
وتقدم خدمات الفحص الطبي قبل الزواج -سواء التحاليل المخبرية، أو جلسات المشورة الطبية- لكافة المواطنين، ولا يوجد شروط مسبقة للحصول على الخدمة، إذ يجب فقط إحضار هوية المتقدم للزواج، ورقم هوية وتاريخ ميلاد الطرف الآخر، ويمكن حجز الموعد عن طريق منصة «صحتي» أو الاتصال بالرقم (937)، ويختلف وقت الاستجابة للخدمة من قناة إلى أخرى، لكن حجز الموعد يكون فوريًّا وإلكترونيًّا، وإذا كان كلا الطرفين المقبلين على الزواج سليمًا، تصدر لهما شهادة توافق، وتصل إليهما رسالة نصية تحتوي على رقم الشهادة، ورابط الاستعلام عن شهادة فحص ما قبل الزواج، أمّا إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما لديه نتيجة إيجابية، تصل إليهما رسالة نصية تعلمهما بأنه يجب أخذ موعد لدى عيادة المشورة، وبعد حضور الطرفين للمشورة واتباع الإجراءات الوقائية اللازمة لإصدار الشهادة، تصدر شهادة الفحص وتصلهما رسالة نصية على الجوال، والخدمة مجانية لجميع السعوديين بالقطاع الحكومي وتقدم للمواطنين والمقيمين بمقابل مادي في المستشفيات الخاصة.
تكاليف كبيرة
وكانت زواجات الأمس تحفها البساطة، وكانت المهور في متناول كل زوج دون مغالاة، وكان الجميع يتسابقون في تقديم المعونة للزوج بتقديم مبالغ نقدية تسمى «عانية»، وربما كانت من الغنم، وتقل أو تكثر حسب قرابة الزوج أو صداقته بمن حوله، كما كان الجميع من الجيران يتعاونون في تقديم أثاث ليلة الزواج بتقديم فرش أو أباريق أو دلال أو أوانٍ للطبخ، وكانت ليلة الزواج تشهد الفرح والسرور لجميع الحاضرين وتبقى ليلة جميلة باقية في ذاكرة جميع الحضور، أمّا في وقتنا الحاضر فقد تبدل الحال وباتت تكاليف الزواج كبيرة جداً بدءًا من المهور مروراً بقاعات إقامة ليلة الزواج التي تتطلب حجزاً مسبقاً بمبالغ كبيرة، وما يتبع ذلك من تكاليف لتأمين وجبة العشاء والقهوجي، وما يستجد من مصاريف لم تكن بالحسبان، وربما كان الزواج في ليلتين منفصلتين كما هو الحال اليوم، بحيث يقام زواج للرجال في قصر أفراح أو قاعة، وبعده بيوم أو يومين يقام زواج للنساء في قاعة أخرى، مما يزيد من تكلفة الزواج.
جمعيات خيرية
ويبحث الكثيرون من راغبي الزواج عن طلب معونة من أجل تخفيف أعباء مصاريف الزواج، خاصةً من محدودي الدخل والمحتاجين، ومن أجل ذلك تقوم العديد من الجمعيات الخيرية بتقديم إعانة زواج لمن تنطبق عليه الشروط، كما يقدم بنك التنمية الاجتماعية تمويل الزواج وهو أحد منتجات التمويل الاجتماعي، ويستهدف الشباب لإعانتهم وتشجيعهم على الزواج، مما يساعد في تغطية متطلباتهم واحتياجاتهم عبر إجراءات ميسرة وسريعة، وذلك بشروط وهي أن لا يقل عمر المقترض عن (18) عاماً، وألا يتجاوز (70) عاماً، وأن لا يزيد الدخل الشهري على (14500) ريال، وألاّ يتجاوز عمر الكفيل (55) عاماً، وأن يكون الزواج للمرة الأولى، ويستثنى من ذلك من توفيت زوجته الوحيدة، وإضافة الزوجة في سجل الأسرة، وتقديم عقد نكاح رسمي مصدق من المحكمة المختصة، على ألاّ يكون قد مضى على تاريخه أكثر من عامين ميلاديين، ويتم احتساب مدة عقد النكاح من تاريخ تقديم الطلب.
طلاق وخلع
واتسمت زواجات جيل الأمس القريب بالاستمرارية، وشهدت نجاحات كبيرة، وكانت نسبة الطلاق ضئيلة جداً بالنسبة إلى واقع اليوم المرير الذي يشهد حالات طلاق كبيرة جداً ولافتة للنظر، كما ازدادت حالات الخلع بين الزوجين، وتبرز العديد من الأسباب التي تقع خلف زيادة كثرة الطلاق ومن أهمها تدخل الأقارب بين الزوجين، وكثرة الأقاويل التي تخلف خلافات زوجية عديدة، وعدم تحمل أحد الطرفين مشكلة العقم وعدم الإنجاب، إضافةً إلى عدم الاستقرار المادي التي تعاني منه الأسرة، وغالبًا لا تقوى أغلب الزوجات على تحمله، والامتناع عن الإنفاق على الزوجة والأبناء من قبل الزوج، وفي أثناء التقدم بطلب الطلاق من قبل أحد الزوجين للمحكمة يتم حينها تحديد موعد من قبل المحكمة للنظر بقضيتهم، ليتم عرضهم أولًا على اللجنة المختصة بالصلح، فإن استطاعت إيجاد حل فقد تم الصلح، أمّا في حال فشلت بذلك فحينها سيتم البدء في إجراءات الطلاق.
صبر وتسامح
وفي حال تغيب الزوج عن الحضور فإن المحكمة تتخذ الإجراءات التالية يقوم القاضي بسؤال الزوجة عن سبب الطلاق وإن كانت الموافقة على الطلاق تامة أم أنها قابلة للتراجع، وعدد الأولاد، وماذا يعمل الزوج والعديد من الأسئلة الأخرى ذات الصلة بأسباب الطلاق التي أبدتها، ثم يذكرها القاضي بأن الحياة الزوجية ينبغي أن تُبنى على الصبر والتسامح كي تدوم وتستمر، فإن وافقت الزوجة على الصلح يحدد القاضي موعدًا آخر ليتم استدعاء الزوج إليها إجباريًا، وبحال عدم حضور الزوج وإصرار الزوجة على الطلاق، فهنا المحكمة تبدأ بإجراءات الطلاق بينهما، علمًا أن المحكمة تفسر الغياب عن الحضور لجلسة الصلح بأنه عدم رغبة بالصلح مع زوجته، حتى وإن كان يريد العكس من ذلك، كما أن المحكمة لا تجبر أي من الزوجين على أن يقبل بالصلح؛ لأن الزواج لابد أن يكون مبنياً على القناعة وليس على الإجبار.
التعليقات