يُعد كتاب «تجربتي مع التاريخ الشفوي» للباحث والكاتب محمد بن عبدالرزاق القشعمي، والصادر عن دار الانتشار العربي، تجربة فريدة توثق رحلة شاقة وغنية لرصد التحولات الوطنية وتوثيق سير الأعلام التي ساهمت في النهضة الثقافية والاجتماعية للمملكة العربية السعودية. يقدم هذا الكتاب رؤية تأريخية غنية ومميزة، أضاءت من خلال مقدمة أ.د. عبداللطيف بن محمد الحميد، الذي وصف القشعمي بأنه رمز يوثق لتاريخ رجالات الوطن وتحولاته منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة على يد الملك عبدالعزيز، قبل حقبة النفط وبعدها. يستعرض الكتاب تجربة تدوين التاريخ الشفوي من خلال لقاءات وحوارات أجراها القشعمي مع أكثر من أربعمئة شخصية بارزة، موثقًا بذلك ذاكرة حية للمملكة. هذه الشخصيات، التي تمثل مختلف أطياف المجتمع، كانت جزءاً من رواية الأحداث وتحقيق الإنجازات الوطنية. ونجد في هذا الكتاب، كما يصفه الزميل بدر الخريف، أنه «ذاكرة 400 شخصية تبوح بما لم يقله التاريخ». الكتاب يقدم مقاربة مغايرة للتأريخ الشفوي، حيث تمكن القشعمي من جمع محاسن من سبقوه في هذا المجال، كما استند إلى تجاربه الطويلة سواء في مكتبة الملك فهد الوطنية أو في عمله الصحفي. استطاع من خلال هذا العمل إظهار الجوانب المخفية من حياة شخصيات وطنية بارزة، وتسليط الضوء على بصمات هؤلاء الرجال الذين ساهموا في بناء ونهضة المملكة، وهو ما وصفه الزميل بدر الخريف بأنه دليل مرشد لمن يرغب في الاطلاع على تاريخ الشخصيات التي تركت بصماتها على مختلف جوانب الحياة في المملكة. ويضيف الشيخ عبدالله العلي النعيم، رئيس مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية، في رسالة إهداء للقشعمي: «جهودك في التسجيل الشفهي لشخصيات الوطن تبقى قيمة عالية لحفظ هذا الإرث في مكتبة الملك فهد الوطنية». وفي توطئة الكتاب، يقدم المؤلف محمد القشعمي شرحًا وافيًا عن أهمية التاريخ الشفوي كمصدر أساسي لفهم الماضي، لاسيما أنه يوفر معلومات قد تكون غائبة عن التاريخ المدون. ويشير إلى الجهود الدولية والمحلية في مجال جمع التاريخ الشفوي، بدءًا من بريطانيا والولايات المتحدة، مرورًا بجهود الدكتور عبدالله العسكر في تأسيس مركز التاريخ الشفوي في دارة الملك عبدالعزيز. ينتقل القشعمي في حديثه إلى شرح آليات إجراء المقابلات الشفوية وأهمية هذا النوع من التأريخ في سد الفجوة بين الأجيال وتوثيق تجارب الأفراد الذين قد لا يجدون طريقهم إلى الوثائق الرسمية مؤكدًا أن لكل مقابلة شفهية قيمتها، حيث تعزز فهمنا لماضينا من خلال روايات شخصية تعكس جوانب غير مكتوبة من التاريخ. بهذا الكتاب، يضع القشعمي حجر زاوية مهمًا في بناء ذاكرة المملكة، مقدماً إسهاماً لا يُقدر بثمن في تدوين التاريخ الوطني عبر الألسن الشفوية التي لم تُسجل في الكتب.