عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحديدًا منصة، (X) ومساحاته الصوتية المنتشرة اليوم، والتي لازلت أرى فيها البديل الافتراضي لمجالسنا وأحاديثنا فيها في زمن سابق.. لايزال الشعر الحاضر الأول والهوية الثقافية الأكثر تداولا بنوعيه الفصيح والمحكي ولاتزال قضاياه محل جدال ونقاش لاسيما على مستوى شكل القصيدة بين تقليديتها وحداثتها.. وإذا كانت أحاديث المساحات تمثل عند كثير من المهتمين أحاديث شعبوية لا ترقى إلى التأصيل الفني إلا أنها عكست بشكل كبير بالنسبة لي حالة نكوص في مفهوم الشعر وما ينبغي له حينما تخرج من دائرته نصا شعريا هو الأقدر اليوم على الحضور العالمي في ظل عولمة الثقافة، وأعني به قصيدة النثر من دائرة الشعر تماما وهي التي غرست جذورها في الثقافة العربية قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، والحقيقة أنه مهما كان موقفنا من هذا النص الشعري الجديد لا يمكننا بأي حالٍ من الأحوال أن نغفل دور الترجمة في مد جسور التواصل المعرفي والحضاري بين الشعوب، فاللغة وسيلة التواصل الأم بين الشعوب كافة، فهي التي تحتمل وتتحمّل كل أشكال العلاقات فيما بين الناس.. وإذا كانت المملكة العربية السعودية تخطو خطوات رائدة ومميزة في مجال الترجمة من خلال جهود جبارة ومتتابعة في هذا المجال فإنّ ذلك يأتي غالباً انطلاقاً من الرؤية الإنسانية العامة للمملكة العربية السعودية كدولة سلام وتعايش.. وبالتالي تتجاوز التجربة هنا المشروع الثقافي الخاص إلى رؤية إنسانية عامة تحاول جاهدة المساهمة في إنقاذ العالم من حمى الاختلافات الطائفية التي بدت تظهر على السطح حاملةً معها صراعات وحروباً طاحنة هنا وهناك.. إذن فكل مشاريع الترجمة على اختلاف قنواتها تشكل في رؤياها العامة طابعاً إنسانياً صرفاً.. فضلاً عما يمكن أن تقدّمه للمكتبة العربية الفقيرة جداً على مستوى المصطلح المعرفي بشكل عام.. وترجمة العلوم من العربية وإليها آتت أكلها منذ فجر الحضارة الإسلامية فلا يمكن أن نغفل دور انفتاح العرب على حضارات متنوعة في حدوث تلك النهضة الحضارية العربية في أواخر العصر العباسي على سبيل المثال.. والأمر ينطبق على الحضارة الغربية التي استفادت بنهضتها من منجزات فلاسفتنا وعلمائنا المسلمين كابن الهيثم وابن رشد وغيرهم.. والحديث في هذا يطول ويتشعّب وقد يأخذنا بعيدًا عما استهدفه العنوان هنا والمتعلق بترجمة قصيدة النثر العربية لغيرها من اللغات لتكون القصيدة العربية العالمية.. إذ إنني مازلت بيقين تام من أن القصيدة العربية (البيتية تحديدًا) تفقد كثيراً من مكوناتها الفنية حينما تنتقل للغة أخرى ذلك أنها تتخلّق دائماً في رحم لغتها مستفيدة كثيرا من تقنيات اللغة العربية على مستوى الصوت ولا يمكنني بصدق أن أتصور إمكانية نقل ما يحدثه الإيقاع في قصائدنا حينما يشكل تقنيات القصيدة العربية القديمة إلى لغات أخرى، ومع أنني أدرك يقينا أن لكل لغة قدراتها وفضاءاتها الإبداعية على مستوى الشعر إلا أنني سأتساءل دون إجابة هل كل نص شعري عربي قابل للترجمة إلى لغةٍ أخرى.. وهل هناك معايير أو مقاييس للنص الشعري العربي المترجم ؟! نحن بلغة أدبية بطبعها وبتراكيبها المجازية المتواترة وبالتالي يمكنها احتمال كل نص شعري ينتقل إليها.. لكنها في الوقت ذاته كما أراها متمنّعة على جنينها الشعري الذي تخلّق في رحمها الإيقاعي بالضرورة قديما وربما يفسر هذا البعد غياب شعراء عرب عظام جداً عن الأدب العالمي كالمتنبي وغيره من شعرائنا الذين يحضرون في تاريخنا العربي على مر عصوره.. على أن قصيدة النثر اليوم تبدو أقدر أشكال شعرنا العربي على الانتقال للغات أخرى حينما اكتفت بشحناتها الشعرية على مستوى الرؤيا ولم تعتمد على الإيقاع السمعي الخاص باللغة العربية نفسها.. فهي بتقنياتها الشعرية قادرة على عبور ذلك الجسر الشائك صوتيا لتحضر في كل اللغات شأنها في ذلك شأن قصائد الشعراء العالميين التي انتقلت للغتنا العربية وتفاعلنا معها خالصة بشحناتها التي تخلّقت بها وكأنها لم تبدل يوماً ثياب لغتها، ومن هنا يتميز هذا الشكل الجديد للقصيدة العربية بقدرته على أن يكون شعر هذا العصر بعد أن امتزجت الثقافات وتقاربت وتلاحمت وبدا لنا أن كل العالم اليوم بقصيدة واحدة وهم إنساني واحد، وعلى اللغة أي لغة أن تحمله كما جاء به إنسان هذا العصر أيا كانت لغته.
التعليقات